"عكاز السيدة"
- Yehya Sherif
- Feb 18, 2017
- 4 min read

لم يكن يحمل هم خطواته التعبة ولا تلك الافكار الارتيابية التي تميل الى الانتحار من شدة يأسه كل ما آمله ان يصعد الى شقته سريعا ليجلس على سريره في الظلام كالعادة حتى سمع صوتا استفاق به من تلك الافكار التي تدور في رأسه ليجد بعدها سيدة عجوز تنزل السلم بكل هدؤ ناظرة له بنظرات مخيفة حادة مع تجاعيد وجهها التي هي عبارة عن تأثير الحياة على الانسان .. ظل واقفا للحظات خائفا مستعجبا من نظرتها تلك ولكنها مرت بجانبه سريعا فلم يبدي اهتماما واكمل صعوده ليفتح باب شقته وكالعادة كل شئ هادئ اقرب للسكون
جلس على سريره يائسا من حياته تبعتها ابتسامة سخرية عندما نظر الى شهادات تقديره المعلقة على الحائط فلطالما كان مجتهدا ولكن البلاد لا تقدر المجتهدين ثم تذكر انه رفض في مقابلته ال ٣٧ تقريبا لانه وعلى حسب تقديرهم لا يملك الخبرة المناسبة للعمل في تلك البلاد .. استفاق على صوت هاتفه يرن فامسكه مسرعا ليبتسم من جديد عندما قرأ الاسم "مريم" لطالما كان يدخل عليه ذلك الاسم فرحا كبيرا غير ان الحياة لا تترك شيئا الا وتغيره لم يرد فعاودت الاتصال حتى ازعجته فقرر ان يرد عليها في استياء شديد
(ايه ما بتردش عليا ليه هوا انت عايز تحرق دمي وخلاص ؟)
(معلش)
استشاطت غضبا اكثر واكثر عندما سمعت تلك الكلمة ولكنها ارادت ان تهدئ من حدة الحوار فهي تعودت عليه باردا في
الفترة الاخيرة
(طمني عملت ايه في الانترفيو)
(كالعادة) وقعت عليها كلمته الثانية وقع الصاعقة فلم تستطع امساك نفسها اكثر من ذلك
لا ما انت لازم تعمل حاجة انا ابويا زهق مني من كتر ما برفض العرسان وابتدا يشك ان فيه حاجة وانت بقالك سنه مش عارف تلاقيلك)
(.....شغلانه انا خلاص تعبت من كتر ما استنيتك و
لم يدعها تكمل كلامها واثر بالرد عبر غلق الاتصال في وجهها بيأس وبرود ، هي لا تعلم انه يعشق كل شئ فيها ولكن ما أثر به اكثر كان شعوره بالعجز ، كل شئ يذهب بعيدا وكل ما يستطيع ان يفعله هو ان يقف و يشاهده يبتعد شيئا فشيئا لا عمل ولا حتى فتاته التي وهب لها حياته
اسند رأسه على الحائط على يمين سريره عاجزا يتمنى الموت حتى انتفض على صوت غريب في شقته اصابه الفزع ! .. الصوت يشبه خطوات شخص داخل شقته لاحظ باب غرفته يفتح فهب واقفا في خوف وارتعاب وما لبثت حتى ظهرت تلك السيدة العجوز بنظراتها المخيفة متكئة على عكازها المزغرف بزغارف غريبة تمشي بخطوات بطيئة لا تفارق عيناها عنه فما زاد ذلك الا ارتعابه وخوفه ، كسر حاجز الصمت مرتعبا بلهجة متلعثمة
(ا ... ا.. انتي مين ودخلتي هنا ازاي)
ردت عليه بعدها السيدة العجوز متحدثة الفصحى على غير المتوقع (لست انا من دخل عالمك بل انت من دخلت عالمي)
(ا... ا... ايه !؟)
اقتربت منه لتشده من يده بهدؤ وظل هو خائفا لا يعلم ماذا يفعل بل لا يفهم ماذا يحدث من الاساس حتى ضربت بعكازها في الارض ضربة قوية فظهر دخان ملون من الارض كأنها اشلعت "شمروخا" او شيئا كهاذا فتلونت الغرفة بالوان الاخضر والاصفر الباهت ومن ثم عادت للتحدث من جديد
(انظر حولك)
تلفت ببطئ ليجد صورا تظهر في الغرفة واحدة تلو الاخرى تحرك نحو صورة معلقة في الهواء يتذكرها جيدا ووقف امامها مباشرة سابحا في ذكرياته ، كانت الصورة تظهر "مريم" بجانبه تمسك بيده ، تذكر كيف كانت تنظر الي جمال قرص الشمس الاحمر يلامس باطرافه امواج البحر الهادئة وهو لم يلاحظ هذا المنظر اطلاقا بل كل كان ينظر الى شئ اجمل منه بكثير في الحقيقة كان ينظر اليها هي فقط .. هي كانت اجمل ما خلقه الله في نظره هي كانت كل شئ بالنسبة له
استفاق على صوت العجوز تعاود حديشا من جديد فالتفت لها مفزوعا ليعود الى واقعه من جديد
(ليست المشكلة في حياتك ولا في حبك بل المشكلة تكمن فيك انت فقط .. لا تستسلم لعجزك .. لا تستسلم لاحلامك .. لا تستسلم لحبك .. دائما ما تعجزك الحياه فاما ان تستسلم ويملأ وجهك بالتجاعيد مثلي واما ان تعيش شابا طول حياتك .. انت من لديه حق الاختيار .. لا يزال الامل موجودا)
استفاق من نومه ليجد نفسه ما زال مستندا على الحائط وبجانبه هاتفه ، حدث نفسه بصوت هادئ مستعجبا
(!!ايه دا حلم)
امسك بهاتفه ووقف بصعبة بسبب الدوار في رأسه متوجها نحو باب غرفته حتى لاحظ شيئا توقف عنده مصدوما هذه المرة لا يصدق ما يراه الآن ، مد يده ببطئ ليمسك بتلك العكاز التي تستند على الحائط بجانب الباب التي هي نفس العكاز التي كانت تتكئ عليها السيدة تحث جيبه ليخرج هاتفه الذي اهتز معلنا وصول رسالة من شخص ما فأخرج مع الهاتف تلك الصورة التي رأها في الحلم
((!!ايه دا يعني ده مكانش حلم))
قالها في نفسه مستعجبا ، قلب الصورة ليقرأ ما كتب خلف
"تذكر .. ما زال الامل موجودا"
"ظل واقفا لا يعرف ماذا يفعل ! ، فتح هاتفه ليجد رسالة من ذلك الاسم "مريم
"انا آسفه .. وهفضل احبك وهفضل استحملك طول عمري"
فابتسم فاتحا باب غرفته ليخرج منها سريعا فرحا فهو لن يستسلم من اجل حياته ابدا .. لن يستسلم من اجلها اليوم قبلت في وظيفتي من اجلك
وضع قلمه على تلك الطاولة بجانب سريره العريض ناظرا للعكاز المزخرف مبتسما فرحا ليغلق بعدها صفحات حياته البالية المكتوبة
"ويفتح نوتة جديدة صفحاتها ناصعة البياض ليكتب في اول سطورها "حياة بها مريم .. حياة بلا يأس
Comments